الكونت دراكولا تاريخياً

تُعرف جبال الألب في ترانسيلفانيا بكثرة المناظر الطبيعية وأجملها في أوروبا؛ حيث تحلق الصقور حول القمم الصخرية المغطاة بالثلوج، بينما تلجأ الدببة إلى الغابات الكثيفة بالأسفل، وقد تتجسد قرى العصور الوسطى وأطلال القلاع التي كانت شامخة ذات يوم بشكل مهيب من خلال الضباب، كما لو كانت تتحدى الغرباء على كشف أسرارها، وأنتجت ترانسيلفانيا أيضاً زعيماً يُعرف بالمدافع عن الإيمان المسيحي وبطلاً رومانياً ووحشاً دون البشر كان اسمه الأمير "فلاد"، ولكنَّ العالم يعرفه بلقبه "دراكولا".



1. "دراكولا" ومنظمة التنين:

وُلِد "فلاد" المعروف باسم "دراكولا" في سنة 1431م من أسرة نبيلة في ترانسيلفانيا، وكان والده يُلقَّب بـ "دراكول" الذي يعني باللغة الرومانية "شيطان أو التنين"، بسبب انتمائه إلى جماعة تدعى بجماعة التنين قاتلت في ذلك الوقت الإمبراطورية العثمانية المسلمة، و"دراكولا" يعني بالرومانية "ابن التنين أو ابن الشيطان" ويظن المؤرخون أنَّه من هنا بدأت أسطورة "فلاد" مصاص الدماء.

2. محارب مكبل بسلاسل:

عاش "دراكولا" في زمن حرب مستمرة، فكانت ترانسيلفانيا واقعة على حدود اثنين من أعظم الإمبراطوريات في تلك الحقبة؛ العثمانيون الأتراك وهابسبورغ النمساويون في حقبة سادت فيها الخيانة والانتقام، كما كان قد اكتشف الشاب "دراكولا" ذلك بعد فترة، وقد سُجن "فلاد" من قِبل الأتراك أولاً، وساروا به مكبلاً بالسلاسل، ثم أُسِر بواسطة المجريين، وقُتل والد "دراكولا"، بينما أُصيب شقيقه الأكبر "ميرسيا" بالعمى بغرس أوتاد حديدية ملتهبة في عينيه ودُفن حياً.

3. "فلاد" المخوزِق:

من عام 1448 حتى وفاته عام 1476، حكم "دراكولا" والاشيا وترانسيلفانيا، وكلاهما جزء من رومانيا اليوم، فقد سُلب منه العرش مرتين واستطاع استرداده؛ فأول مرة كانت من قِبل شقيقه "رادو" ووقع قتال بينهما، وصحيح أنَّ الفاتيكان كان قد أشاد بدفاعه عن الدين المسيحي مرة، إلا أنَّه رفض طرائقه وأساليبه رفضاً قاطعاً التي زادت عن المقبول وأصبحت سيئة السمعة كثيراً.

حصل "دراكولا" على لقب آخر وهو "فلاد تيبس" (يُنطق tsep-pesh) الذي يعني "فلاد المخوزق"؛ إذ كانت طريقة التعذيب المفضلة لدى "دراكولا" هي خوزقة الناس على قضبان وتركهم يصارعون لأيام عدة بوصف ذلك تحذيراً للآخرين، وتبقى الجثث على القضبان بينما تقضم النسور والطيور السوداء لحمهم المتعفن.

تراجع "دراكولا" خلال إحدى المعارك إلى الجبال القريبة مخوزقاً الناس على قضبان في أثناء ذهابه، وقد توقف التقدم التركي لأنَّ السلطان لم يستطع تحمل الرائحة الكريهة الصادرة عن الجثث المتحللة، وفي مرة أخرى ورد أنَّ "دراكولا" قد تناول وجبة على طاولة وُضعت في الخارج وسط مئات من الضحايا المعلقين، وفي بعض المناسبات ورد أنَّه أكل خبزاً مغموساً بالدم.

4. مدافع عن الإيمان:

في ذلك الوقت كان يُعتقد أنَّ الصدقة الدينية والدفن اللائق سيمحو الخطيئة ويسمح بدخول الجنة، فقد أحاط "دراكولا" نفسه بالكهنة والرهبان وأسس خمسة أديرة على مدى 150 عاماً، وأنشأت عائلته 50 ديراً، وقُتل في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1476 في أثناء قتال الأتراك بالقرب من بوخارست- رومانيا، وتم قطع رأس "دراكولا" وعرضه في القسطنطينية.

5. اختفاء جثة "دراكولا":

دُفن "دراكولا" في دير سناجوف المعزول بالقرب من بوخارست الذي كان يُستخدم على الأرجح بوصفه سجناً وغرفة تعذيب، فعندما صلى السجناء أمام أيقونة السيدة العذراء فُتح باب مصيدة أسقطتهم على أوتاد حادة بالأسفل.

في عام 1931 وجد علماء الآثار الذين يبحثون في سناجوف نعشاً مغطى جزئياً بكفن أرجواني مطرز بالذهب، وكان الهيكل العظمي بالداخل مغطى بقطع من الديباج الحريري الباهت على غرار القميص المصور في لوحة قديمة لـ "دراكولا"، كما احتوى النعش على تاج مصوغ بأحجار فيروزية، كما تمت خياطة خاتم مشابه للخاتم الذي يرتديه أعضاء منظمة التنين في أحد أكمام قميصه، وقد تم نقل الرفات إلى متحف التاريخ في بوخارست، ولكنَّها اختفت منذ ذلك الحين دون أن تترك أثراً تاركة ألغاز الأمير الحقيقي "دراكولا" دون إجابة.

6. هل تمت المبالغة في قصص "دراكولا" من قِبل الأعداء السياسيين والفولكلور الفلاحي؟

في حين أنَّ أعداءه السياسيين والفولكلور الفلاحي بالغوا بلا شك في تضخيم قصة "دراكولا"، يعتقد العلماء مع ذلك أنَّها واقعية؛ إذ تحتوي المحفوظات في دول مختلفة على روايات معاصرة لحياة "دراكولا" كتبها دبلوماسيون، وغالباً ما تكون هذه التقارير متشابهة بشكل لافت للنظر ولكنَّها تقدِّم وجهات نظر مختلفة، وهذا يشير إلى أنَّه لم يتم نسخها أو ترجمتها من نفس المصادر، إضافة إلى ذلك توفر هذه المستندات عادةً تفاصيل أخرى مثل الأسماء والتواريخ والمواقع التي يمكن التحقق منها بواسطة مصادر أخرى، وهذا يزيد من مصداقيتها.

إقرأ أيضاً: نصائح بسيطة تساعدك على توسيع خيالك

7. يقولون إنَّ "دراكولا" كان قاسياً بشكل مخيف:

على سبيل المثال كتب "نيكولاس" من مودروسا المبعوث البابوي في بودا (بودابست حالياً) المجر (البابا بيوس الثاني) أنَّ "دراكولا" ذبح 40.000 رجلاً وامرأة وطفل من جميع الأعمار والجنسيات في واقعة واحدة عام 1464، كما صرح "غابرييل رانجوني إرلاو" في عام 1475 أنَّ "دراكولا" شخصياً أمر بقتل 100000 شخص أو ما يقرب من خمس السكان تحت حكمه.

8. الإيمان بمصاصي الدماء وقوة الدم قديم قدم البشرية:

الإنسان المبكر لطخ نفسه بالدم وأحياناً كان يشربه، وكان الصينيون القدماء والمصريون والبابليون واليونانيون والرومان يؤمنون بمصاصي الدماء؛ إذ يحكي التلمود اليهودي عن "ليليث" زوجة "آدم" الأولى العصية التي تحولت إلى وحش يجوب الليل.

في الأمريكتين كان الهنود الأوائل في "البيرو" يؤمنون بعباد الشيطان الذين يمتصون الدم من الشباب النائم للحصول على طول الحياة، بينما ضحى الأزتيك بضحاياهم لضمان استمرار شروق الشمس وإزالة القلوب النابضة عن ضحاياهم وإبقائها معلقةً في الهواء.

في ترانسيلفانيا بمزيجها من المعتقدات المجرية والرومانية والغجرية، كان الإيمان بمصاصي الدماء قوياً بشكل خاص؛ إذ يعتقد المسيحيون الأرثوذكس أنَّ الروح لا تترك الجسد للآخرة إلا بعد 40 يوماً من دفنها، وعندما يُطرد مسيحي أرثوذكسي أو يتحول إلى دين آخر يُقال إنَّ الأرض لن تستقبل جسده، وهذا يجبر جسده وروحه على الهيام في الأرض.

تؤمن بعض الشعوب المنغولية في آسيا الوسطى بمصاص الدماء وإله الخفافيش، ونظراً لأنَّ المجريين هاجروا إلى أوروبا من سهول آسيا؛ فمن المحتمل أنَّهم شاركوا هذا الاعتقاد، ومع ذلك فإنَّ الخفافيش مصاصة الدماء التي تطير في الليل وتمتص الدم من الحيوانات - وخاصة الثيران - توجد فقط في أجزاء من المكسيك وأمريكا الوسطى.

بعض السمات المنسوبة إلى مصاصي الدماء - الحساسية للضوء والأنياب وشحوب الجلد - قد تصف في الواقع أمراضاً معينة؛ إذ يعتقد بعض الأطباء أنَّ حكايات الفلاحين القديمة عن "مصاصي الدماء" الأرستقراطيين الذين يعيشون في القلاع المجاورة قد تستند إلى حقائق طبية.

على سبيل المثال كان يُعتقد أنَّ مرض الدم الوراثي البورفيريا مستوطن بين الطبقة الأرستقراطية في أوروبا الشرقية؛ إذ أخبر الأطباء المرضى أحياناً أن يشربوا دماً من أشخاص آخرين لبناء دمهم، فيصبح الأشخاص المصابون بالبورفيريا حساسين للغاية للضوء، ويصابون بآفات جلدية، وتصبح أسنانهم بنية أو حمراء.

داء الكلب الذي ينتشر عن طريق الحيوانات مثل الذئاب أو الخفافيش - وكلاهما مرتبط بمصاصي الدماء - قد يكون أيضاً وباءً في ترانسيلفانيا في أيام "دراكولا"؛ إذ تشمل أعراض داء الكلب الأرق والهذيان والهلوسة والسلوك الغريب، ويشمل العلاج الجلوبيولين المناعي، وهو بروتين موجود في الدم.

إقرأ أيضاً: كيف تكتشف الأشخاص المزيفين، وما هي طرق التعامل معهم؟

9. وريث "دراكولا":

الأمير الألماني يخشى الملاعب النارية للنازيين الجدد بدعوى أنَّ النازيين الجدد يواصلون إشعال النار في قلعته المتهدمة في شينكيندورف جنوب برلين؛ إذ يخطط آخر فرد على قيد الحياة من عائلة "دراكولا" للانتقال إلى إنجلترا.

ذكرت صحيفة (The Daily Telegraph) البريطانية في يوم عيد الهالوين عام 2000 أنَّ (Ottomar Rudolphe Vlad Dracula Prince Kretzulesco) يبحث عن قلعة من العصور الوسطى في إنجلترا؛ حيث يمكنه العيش فيها والعمل، وقد قال الأمير "كريتزوليسكو" إنَّ النازيين الجدد حاولوا حرق منزله المسمى "قلعة دراكولا" عشر مرات منذ آذار/ مارس عام 2000، كما قاموا برسم صليب معقوف على مبنى لديه على حد قوله.

10. سليل "دراكولا" المتبنى:

الأمير ليس من نسل الدم لعائلة "دراكولا"، فقد وُلد "أوتو بيربيج" وتبنته الأميرة الراحلة "كاتارينا أولمبيا كارادجا" وهي سليلة مباشرة للأرستقراطي الروماني الشهير الأمير "فلاد" الذي أراد استمرار نسل العائلة، وقد امتلك الأمير قلعته في ريف براندنبورغ لمدة خمس سنوات، وعلى الرغم من أنَّ القصر يحتاج إلى إصلاح، إلا أنَّه مليء بالتحف؛ إذ قال (Kretzulesco) تاجر التحف السابق إنَّه بنى مجموعته لتحل محل إرث عائلة "دراكولا" التي سُرقت عندما حكم الديكتاتور الراحل "نيكولاي تشاوشيسكو" رومانيا.

11. التبرع بالدم للصليب الأحمر:

التبرع بالدم للصليب الأحمر

احتل "كريتزوليسكو" عناوين الأخبار أيضاً في صيف عام 1999 عندما ساعد الصليب الأحمر الألماني على التماس التبرع بالدم، فقد حضر عروضاً لأفلام مصاصي الدماء أقيمت لصالح الصليب الأحمر وقدم توقيعه لمن تبرع بالدم.

وفقاً للتقاليد، مصاص الدماء هو شخص لا يموت "خالد" ترتفع جثته من القبر ليلاً ويسعى إلى امتصاص دماء الأحياء، ويجب أن يعود إلى القبر عند الفجر؛ إذ يمكن للأشخاص المرتدين والأطفال غير المعمَّدين والمجرمين والسحرة والابن السابع للابن السابع أن يصبحوا مصاصي دماء.

تم استخدام طرائق مختلفة للحماية من مصاصي الدماء؛ إذ إنَّ غرس وتد من خشب الحور في القلب خلال ساعات النهار سيقتل مصاص الدماء، وحتى عام 1823 عندما أصبح فعل ذلك غير قانوني، كان من الشائع في إنجلترا عدُّها حالات انتحار، وفي رومانيا غالباً ما كانت تُستخدم القضبان الساخنة، ثم يتم حرق جثة مصاص الدماء أو إعادة دفنها عند مفترق طرق.

في أوروبا الشرقية يُعتقد أنَّ مصاصي الدماء يخافون من الثوم؛ إذ يمكن فرك حيوانات المزرعة بالثوم لحمايتها، بينما غالباً ما يتدلى الثوم من الأبواب والنوافذ لإبعاد مصاصي الدماء، كما يمكن لأي شخص لا يحب الثوم أن يُشتبه في كونه مصاص دماء.

أشواك الورود البرية ستبعد مصاصي الدماء؛ وذلك لأنَّ مصاصي الدماء لديهم وسواس العد القهري، وغالباً ما يتم إلقاء بذور الخشخاش حول المقابر، لذلك عندما يستيقظ مصاص الدماء، سيقضي الليل في العد ويضطر إلى العودة إلى القبر قبل الفجر، كما يكره مصاصو الدماء المرايا والفضة، لذلك كانت تُنشر الصلبان أو التماثيل الفضية في المنازل للحماية.

في الختام:

كل ما يقال عن مصاصي الدماء هو ضرب من ضروب الخيال كالأشباح والمستذئبين وغيرها من الأساطير، لكن تاريخياً وصلت قسوة بعض المستبدين إلى امتصاص ليس فقط الدماء من الشعوب؛ وإنَّما الروح والحياة.




مقالات مرتبطة